بقلم: عاطف الشبراوي
مستشار وزيرة التضامن للتمكين الاقتصادى ومدير برنامج فرصة
نتائج مؤتمر الأمم المتحدة المعنى بتغير المناخ فى مدينة شرم الشيخ (COP27) ستكون ثمرة مفاوضات مكثفة على مدى أسبوعين، وعمل مرهق على مدى عدة أشهر، لزعماء وقادة العالم وأكثر من 40 ألف مشارك بالقمة، بين مندوب منظمات ودول ومراقب من المجتمع المدنى وممثلى وسائل الإعلام، مما يعكس انشغال العالم بقضية تغير المناخ ودور العلم، والحلول المالية، وتوافر الإرادة السياسية .
وتأتى قمة COP27 بعد عام من الكوارث البيئية على امتداد العالم ولذا فإن مؤتمر هذا العام شهد تطورات حاسمة، بجانب الجزء الأساسى الذى يركز على تعزيز الجهود المبذولة لتقليص معدلات انبعاثات الغازات، وتقوية التعاون الدولى لخفض درجة حرارة الأرض إلى المعدل الذى تستهدفه اتفاقية باريس، شهدت القمة محاولة جادة لإعادة الثقة بين الدول الغنية المتسببة فى ظاهرة الاحتباس الحرارى من ناحية، والدول الفقيرة الأكثر تضررا وذلك عبر المساهمات المالية التى تقدمها الدول المتقدمة لتخفيف التأثير على البلدان الأكثر تضررا فى إفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية. وإن كانت تلك المساهمات مازالت بطيئة، لا ترقى لتعهدات 2010، حيث تعهدت الدول الكبرى بتقديم مائة مليار دولار سنويا لمدة عشر سنوات لمساعدة البلدان النامية على التكيف مع آثار ظاهرة تغير المناخ، فالقارة الإفريقية على سبيل المثال يعيش فيها قرابة المليار نسمة وهى مسئولة فقط عن نحو 3% من الانبعاثات. وطبقا لمنظمة التعاون الاقتصادى والتنمية، والتى ترصد عملية التمويل، فإن الدول الغنية دفعت عام 2020 قرابة 83 مليار دولار بنسبة زيادة 4% عن مستويات 2019.
ولأهمية موضوع التمويل فقد خصصت له عشرات الجلسات ويوم 9 نوفمبر بالكامل وأظهر تكثيف مطالب البلدان النامية ليس فقط فى الحصول على أموال للتخفيف من الآثار ولكن أيضاً للدفع لتأسيس صندوق خاص «للخسائر والأضرار».
وفى هذا السياق، ذكرت «جمعية الخسائر والأضرار» التى تضم باحثين ونشطاء وصانعى قرار من جميع أنحاء العالم، أن 55 دولة من الدول الأكثر هشاشة عانت خسائر اقتصادية مرتبطة بالمناخ تجاوزت نصف تريليون دولار فى أول عقدين من هذا القرن. وبالتالى دارت النقاشات فى شرم الشيخ حول ضرورة تمويل وتعويض هذه الخسائر التى قاومتها الدول الغنية فى المؤتمرات السابقة، فالقضية متوقفة منذ سنوات ويعود مصطلح «الأضرار والخسائر» إلى 1991 حيث صاغه تحالف الدول الجزرية الصغيرة خلال مفاوضات المناخ فى جنيف، واقترحت خطة تأمين ضد ارتفاع منسوب مياه البحر بما يشمل تحمل الدول الصناعية التكاليف.
بيد أنه لم يتم بحث هذا الأمر بجدية إلا فى 2013 خلال COP19 فى بولندا حيث جرى إنشاء الآلية الدولية للخسائر والأضرار المرتبطة بآثار تغير المناخ بهدف مواجهة ومعالجة هذه القضية. ورغم مرور أعوام على ذلك، إلا أنه لم يتم إحراز سوى القليل فى هذا الصدد. وخلال مؤتمر المناخ cop26 فى جلاسكو، رفضت الدول الكبرى اقتراحا قدمه أعضاء مجموعة الـ77 +الصين، التى تعد كتلة تفاوضية نافذة تضم أكثر من 100 دولة نامية، بشأن إنشاء مرفق مالى رسمى يتعلق بالخسائر والأضرار المناخية. وتخصيص ما لا يقل عن 1.3 تريليون دولار بحلول عام 2030، وذكر التحالف أن هذه الأموال يجب تقسيمها بالتساوى بين تقليل الانبعاثات والاستعدادات لآثار تغير المناخ. علما بأن النسبة الأكبر من التمويل المقدم من الدول الغنية (71%)، تُقدم فى هيئة قروض وليس منحا، الأمر الذى يزيد من عبء ديون الدول الفقيرة.
عملية تمويل التعويضات ترتبط بعدة محاور جوهرية وهى كيفية تقدير قيمة الأضرار المالية التى تتطلب التعويض وكيفية توزيع هذه التعويضات وأولوية التوزيع سواء بين الدول المتضررة أو القطاعات الأكثر تضررا. والشىء الذى يدعو للتفاؤل هو الاتفاق على ضرورة المضى والبناء على الأبحاث ودراسة مفاوضات البيئة وعلى الدول اتخاذ مواقفها بروح بناءة. فلم يعد من الممكن إنكار الحاجة إلى تمويل الخسائر والأضرار.
شخصيا متفائل بأن قرارات وتوصيات هذه القمة سوف تنفذ، حيث أعلن وزير الخارجية الأمريكى الأسبق جون كيرى ان بلاده ستوجه هيئة المعونة الأمريكية لدعم الدول الفقيرة وتم بالفعل توقيع عدة بروتوكولات مع ثلاث من أفقر دول إفريقيا كما قالت كريستينا جورجيفا مديرة صندوق النقد الدولي: «يجب ان نكون مسئولين وملتزمين أكثر كى نجعل العالم مكانا أفضل، هذه القمة للتنفيذ والتطبيق وهذه اللحظة تاريخية»، وتابعنا تونى بلير رئيس الوزراء البريطانى الأسبق ورئيس معهد التغيير العالمى وهو يؤكد رغبته فى عدم تكرار الكلمات الجميلة والبدء فى التنفيذ والتطبيق لإنقاذ الأمر، وتابعنا كلمة الرئيس السيسى أمام قادة العالم خلال الافتتاح والتى اتسمت بالحسم وهو يدعو إلى ضرورة مواجهة الأزمة الأخطر التى تواجه كوكب الأرض لخلق بيئة نظيفة ومستدامة وظروف مواتية للحياة للأجيال القادمة.
بالتأكيد قمة شرم الشيخ نجحت فى جذب الانتباه لمصر كدولة قائدة فى إفريقيا وجذبت الانتباه إلى قضية تنفيذ التعهدات بشكل فوري، والمضى قدماً فى ملف تمويل الخسائر والتخفيف من آثار التغيرات المناخية فقد باتت قضية محسومة لن تستطيع الدول المتقدمة إنكارها.
الأهرام اليومي