أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، تحليلاً جديداً تناول من خلاله التأثيرات المباشرة وغير المباشرة التي يفرضها التغير المناخي على عملية التعلم، والحواجز التي تحول دون الحق في التعلم، بالإضافة إلى التحرك الدولي المطلوب لتكييف أنظمة التعليم مع تغير المناخ، مشيراً إلى أن تغير المناخ يؤدي إلى زيادة وتيرة وشدة الأحداث الجوية المتطرفة، مثل الأعاصير والفيضانات والجفاف وموجات الحر الشديدة وحرائق الغابات، مما يؤثر بشكلٍ سلبي في عملية التعلم من خلال تعطيل الدراسة وإغلاق المدارس بفعل تدمير البنية التحتية لها، وهو ما يؤدي بدوره إلى خسائر في التعلم وانقطاع الطلاب عن الدراسة وعدد من التأثيرات طويلة الأجل.
وتناول التحليل التأثيرات المباشرة التي يفرضها التغير المناخي على عملية التعلم والالتحاق بالمدارس، حيث أوضح أن التأثيرات المباشرة للصدمات المناخية، كالأعاصير والفيضانات وحرائق الغابات، تؤدي إلى الإضرار بجودة تقديم الخدمات التعليمية وبيئة الفصول الدراسية وإطالة مدة إغلاق المدارس بسبب استخدامها كمراكز للطوارئ والإيواء، علاوة على تدمير البنية التحتية للمدارس، وهو ما يؤدي بدوره إلى خسائر فادحة في العملية التعليمية، فعلى سبيل المثال، عندما ضرب الإعصار «فريدي» جنوب إفريقيا في مارس 2023، واجه ما يقرب من 5% من الطلاب في جميع أنحاء دولة ملاوي إغلاقًا للمدارس، كما سبق أُغلقت 42% من المدارس الابتدائية بسبب الجفاف في عام 2015، مما أجبر أكثر من 130 ألف طالب على ترك المدرسة. وفي دولة الفلبين، تغمر المياه أكثر من 21% من المدارس مرة واحدة على الأقل كل عام دراسي، ويمكن أن يحدث ذلك الأمر مرتين في الشهر في بعض المناطق، بالإضافة إلى ذلك، فقد ألحقت الأعاصير في دولة الفلبين في عامي 2009 و2013 أضرارًا بـ 4300 و19300 مدرسة على التوالي، مما أدى إلى إغلاق المدارس لفترات طويلة، وخلال فيضانات عام 2022 في دولة باكستان، أظهرت التقديرات أن 3.5 ملايين طفل تعطلوا عن الدراسة وأن مليون طفل قد يتوقفون عن الذهاب إلى المدرسة، وتولد هذه الإغلاقات خسائر فادحة في العملية التعليمية.
وفي السياق ذاته، يمكن أن يؤدي الطقس البارد أيضًا إلى تعطيل الدراسة والتعلم؛ حيث شهد بعض المناطق مثل آسيا الوسطى ومناطق في أستراليا وأمريكا الجنوبية زيادة في كل من الحرارة الشديدة والبرودة، ويمكن أن تتسبب موجات البرد والعواصف في أضرار بالممتلكات وانقطاع التيار الكهربائي مما قد يكون له عواقب على البنية التحتية والأنظمة التعليمية، وهو ما يترتب عليه إغلاق المدارس. ففي دولة منغوليا، كان الأطفال في سن الدراسة الذين يعيشون في المناطق المتضررة بشدة أثناء العواصف الشتوية أقل احتمالية لإكمال التعليم الأساسي بعد عشر سنوات من الصدمة المناخية، مقارنة بالأطفال في المناطق الأقل تضررًا.
وفي شهري يناير وفبراير 2024، تسببت العواصف الشتوية في إغلاق المدارس في وسط وشرق أوروبا والغرب الأوسط للولايات المتحدة الأمريكية. وبشكلٍ عام، فإنه على مدار العشرين سنة الماضية، أُغلقت المدارس في 75% من الدول على مستوى العالم على الأقل نتيجة الأحداث الجوية المتطرفة التي أثرت في 5 ملايين شخص أو أكثر.
ومن ناحية أخرى، فإنه حتى في حالة عدم إغلاق المدارس، فإن الأحداث الجوية المتطرفة تقلل من الحضور والتحصيل الدراسي. فعلى سبيل المثال، تزداد حالات الغياب في دولة البرازيل خلال موسم الأمطار حتى عندما لا يتم تعليق الفصول الدراسية، ويرجع ذلك إلى التحديات التي يواجهها الطلاب في التنقلات، وبشكلٍ عام، يقضي الطلاب في المناطق المتضررة من الفيضانات وقتًا أطول في السفر من المنزل إلى الجامعة في أيام الفيضانات، وبالتالي فإن نسبة الطلاب الحاضرين للفصول الدراسية وجهًا لوجه تنخفض من 77% في الأيام التي لا تشهد فيضانات إلى 27% في أيام الفيضانات.
وعلاوة على ذلك، فإن التعلم عبر الإنترنت يمكن أن يتأثر بالأحداث الجوية المتطرفة؛ فقد انخفضت المشاركة الإجمالية على منصة التعلم عبر الإنترنت لدورات البكالوريوس والدراسات العليا بنسبة 20% بسبب حدثي إعصارين كبيرين أثرا في الفلبين في عام 2020.
وسلط مركز المعلومات الضوء على التأثيرات غير المباشرة التي يفرضها التغير المناخي في عملية التعلم والالتحاق بالمدارس، حيث يؤثر تغير المناخ سلبًا في نتائج التعليم بشكلٍ غير مباشر من خلال الصدمات الاقتصادية، وانعدام الأمن الغذائي، والصدمات الصحية، وتؤدي هذه المسارات غير المباشرة إلى انخفاض استعداد الطلاب للتعلم، وانخفاض الطلب على التعليم بسبب آليات التكيف الأسري، وتعطل الخدمات التعليمية، وذلك كما يلي:
-أثر الصدمات الاقتصادية وانعدام الأمن الغذائي على التعلم: حيث تفرض الأحداث المناخية المتطرفة ضغوطًا على موارد الأسر وتتسبب في انعدام الأمن الغذائي والهشاشة الاقتصادية وهو ما يؤدي إلى انخفاض الإنفاق على التعليم لسنوات بعد الصدمة، ففي دولة بنجلاديش، أدى التعرض للأعاصير والفيضانات والجفاف إلى زيادة حالات زواج الأطفال؛ حيث تستخدم الأسر مدفوعات العروس كآلية للتكيف مع الصعوبات المالية. وتشير التقديرات إلى أن ما يصل إلى 170 مليون شخص إضافي سيكونون معرضين لخطر الجوع بحلول عام 2080 بسبب تغير المناخ، وسوف يؤدي الضغط الاقتصادي على الأسر الناجم عن الصدمات المناخية إلى خلق آثار سلبية على تعلم الطلاب وإنجازهم.
-أثر الصدمات الصحية الناجمة عن تغير المناخ في التعلم: حيث يمكن أن يؤدي تغير المناخ إلى زيادة ملوثات الهواء من خلال التغييرات في التفاعلات الكيميائية وهطول الأمطار، ومن المرجح أن يؤدي تغير المناخ إلى زيادة تلوث الهواء العالمي والوفيات المرتبطة به، وقد أظهرت التوقعات أن 14٪ من الزيادة الإجمالية في حالات الوفاة المرتبطة بتلوث الهواء بالأوزون من عام 2000 إلى عام 2100 المقدرة في سيناريو الانبعاثات العالية ستعزى إلى تغير المناخ، كما يمكن أن تؤثر جودة الهواء الرديئة في التعلم والمدارس من خلال الإغلاقات والتأثيرات في الإدراك والإنجاز الأكاديمي، فعلى سبيل المثال، أثبتت الدراسات أنه في كلٍ من البرازيل وتشيلي والصين والهند وإيران وإيطاليا والولايات المتحدة الأمريكية، عملت درجات الحرارة المرتفعة على تضخيم آثار تلوث الهواء في صحة الأطفال وأدائهم الأكاديمي؛ حيث يؤدي التعرض للجسيمات الدقيقة (PM2.5) – وهي مواد جسيمية ملوثة صغيرة جدًا في الحجم ولا ترى بالعين المجردة – إلى انخفاض درجات الطلاب في الاختبارات وزيادة حالات الغياب عن المدرسة.
وفي السياق ذاته، يمكن أن يكون للصدمات المناخية كالجفاف والأعاصير وحرائق الغابات تأثيرات سلبية في الصحة العقلية للطلاب؛ ففي أعقاب إعصار كاترينا في الولايات المتحدة الأمريكية، عانى أغلب طلاب الأقليات العرقية المتضررين في الصف التاسع من أعراض خفيفة أو شديدة من اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD). كما عانى طلاب الكليات المتضررين من حرائق الغابات في مدينة فورت ماكموري في كندا من اضطراب ما بعد الصدمة بنسبة 11% بعد الحرائق، كما ثبت أن القلق المناخي يشكل مصدر ضغط متزايد الانتشار بين الشباب، ففي 50 دولة تغطي 56% من سكان العالم، يعتقد ما يقرب من 70% من الشباب تحت سن 18 سنة أن تغير المناخ يشكل حالة طوارئ عالمية يمكن أن تؤدي إلى زيادة التوتر والقلق، ومن المرجح أن تؤثر هذه العوامل بشكلٍ سلبي في الصحة العقلية للطلاب وعلى تعلمهم وذهابهم إلى المدرسة.
كما يوجد عدد من الحواجز أمام التعليم تؤثر بشكل أكثر سلبية في الفئات الأكثر حرمانًا، والفتيات والنساء والمجتمعات الريفية، وأولئك الذين لديهم مخاطر صحية قائمة مسبقًا والأشخاص ذوي الإعاقة. ومن ذلك، الحواجز اللغوية، حيث إنه عندما ينزح الطلاب بفعل تغير المناخ، سواء على المستوى الدولي أو المحلي، فقد يضطرون إلى الالتحاق بمدرسة بلغة لا يفهمونها أو ليست لغتهم الأم. كما أنه ما يزال مفهوم النزوح المناخي غير مرئي في السياسات الوطنية في العديد من الدول، فالافتقار إلى الاعتراف القانوني أو السياسي يجعل من الصعب تطوير إجراءات مستهدفة وحقوق قانونية للأشخاص النازحين بسبب تغير المناخ، بما في ذلك الحق في التعليم.
وأوضح المركز أنه بناءً على ما سبق من المتوقع أن تزداد شدة الصدمات المناخية، وبدون اتخاذ إجراءات مستهدفة تعمل على الحد من التأثيرات السلبية للتغير المناخي على مستقبل الطلاب التعليمي، ومن المرجح أن تؤدي أزمة المناخ إلى تفاقم التفاوتات التعليمية، مما يترك العديد من الطلاب خلف الركب.
وأشار التحليل إلى أن هناك حاجة مُلِحَّة لتكييف أنظمة التعليم مع تغير المناخ وبناء أنظمة تعليمية وطنية قادرة على الصمود في مواجهة آثار تغير المناخ تضمن الحد الأدنى من انقطاع العملية التعليمية لجميع الأعمار أثناء عمليات النزوح.
وفي هذا السياق، يمكن لصانعي القرار تنفيذ العديد من الإجراءات لزيادة قدرة أنظمة التعليم على التكيف والتعامل مع الضغوط المناخية المتزايدة الانتشار.
وقد استعرض التحليل أبرز التوصيات المقترحة في هذا الصدد:
-دعم التخطيط لمخاطر الكوارث على مستوى قطاع التعليم، وذلك من خلال وضع سياسات تعليم، على المستويين الوطني والدولي، تعكس واقع تغير المناخ، وتشمل الجوانب المهمة التي تجب تغطيتها، والاستراتيجيات الرامية إلى تقليل التأثيرات في البنية التحتية ونتائج التعليم، وآليات التكيف الواضحة لإدارة استمرارية التعلم أثناء الصدمات المناخية، والخطط اللازمة لاستعادة عملية التعلم بشكل فاعل بعد الكوارث الطبيعية، بالإضافة إلى وضع نهج مناسب لإشراك المعلمين والطلاب وأسرهم في عملية التكيف الشاملة.
-الاستثمار في أنظمة الإنذار المبكر، وتنبيه المدارس في الوقت المناسب واتخاذ إجراءات مبكرة، وهو ما سيقلل من الضرر الناجم عن الأحداث المناخية الضارة على الطلاب والمعلمين والمدارس.
-تعزيز البنية الأساسية للمدارس، وذلك من خلال تعزيز مرونة المباني القائمة، وحماية الفصول الدراسية من الحرارة، وتبني أفضل الممارسات المبتكرة للمرونة والتبريد لأي مبنى جديد، وتنفيذ تدابير تهدف على وجه التحديد إلى منع جريان المياه والفيضانات على مستوى مبنى المدرسة.
-ضمان استمرارية التعلم في مواجهة الصدمات المناخية، وذلك من خلال إغلاق المدارس عند الضرورة القصوى فقط، وبذل كل الجهود لإعادة فتحها في أقرب وقت، وتقليل الوقت الذي يتم فيه استخدام المدارس كملاجئ للطوارئ، وفي حالة إغلاق المدارس، يجب اتخاذ إجراءات تعمل على تعزيز آليات التعلم عن بعد لضمان استمرارية التعلم، وتوفير دعم مالي موجه للطلاب الأكثر احتياجًا لإعادتهم إلى المدرسة.
وأوضح التحليل في ختامه أن تغير المناخ والصدمات المناخية تؤثر بصورة سلبية في العملية التعليمية، بشكلٍ مباشر من خلال الأعاصير والفيضانات وحرائق الغابات التي تُلحق الضرر بجودة تقديم الخدمات التعليمية وتُدمر البنية التحتية للمدارس في كثير من الأحيان، كما تؤثر الصدمات المناخية في التعليم بشكلٍ غير مباشر من خلال الصدمات الاقتصادية، وانعدام الأمن الغذائي، والصدمات الصحية، وإذا لم يتم اتخاذ إجراءات تعمل على تكييف أنظمة التعليم مع تغير المناخ وبناء أنظمة تعليمية وطنية قادرة على الصمود في مواجهة آثار تغير المناخ، فسوف يؤدي ذلك إلى تفاقم التفاوتات التعليمية.